القصيدة التي كتبها نزار قباني في حافظ أسد وأودعها عند أحد أصدقائه
لنشرها بعد هلاك حافظ أسد
ليس بالموتِ تشمَتُ الأحرارُ = إنما مصرُعُ الطغاةِ انتصارُ
قُمْ إن استطعتَ من مماتِك واهرُب = فعلى الموت تكشَفُ الأسرارُ
أيها القاتلُ المُعَبَّأُ قَمْعاً = أين جيشُ الإرهابِ والأنصارُ
أين ذاك الحديدُ والنارُ والسوطُ = وأين البترولُ والدولارُ
أين جندُ العصابةِ المتخفُّون = وأين الجماعةُ الأشرارُ
أين بالغَمزةِ الصغيرةِ تودِي = بألوفٍ كأنكَ الأقدارُ
أين سلطانُكَ المرصَّعُ قَهْراً = أين ذاك الشُّرْطيُ والمُغْوارُ
أين مليونُ مُخبرٍ سِري = ربطَ العارُ بينهم والشَّنَارُ
أين ماكينةُ الذبح والتبغِ = وبيعُ الحشيشِ والعُقَّارُ
أين مليونُ صفقةٍ في خفاءٍ = عقد الليل بَيْنَها والقِمارُ
أيها القاتلُ الذي احترفَ القتلَ = تبارَتْ يمينُه واليسارُ
أيها القاتلُ المؤسِّسُ نهجاً = دَمَوياً وتشهَدُ الأمصارُ
يا طيورَ القرنفلِ المترامي = أخْبِرِينا وأنتَ يا جُلَّنارُ
ياسمينُ الشام مات مِنَ الخوف = وجفَّتْ من الضَّنَّا الأنهارُ
وَحِّدوا الحافظَ الزنيمَ وإلا = فهو يومٌ , وبعدَه الإعصارُ
واعْبُدُوه وإن أرادَ فَزِيدوا = ثَم زِيدُوا فإنه الجَبارُ
وارْفَعوا صورةَ الزعيمِ وقُولوا = أبدٌ آبدٌ وربٌ ونارُ
واختمِوا بالدماء صِحَّةَ دَعواكمْ = وإلا فسيفُه بَتَّارُ
واخُرجوا في الطريق قولوا سَمِعْنا = وأَطَعْنا ولْيَشْهدِ (الأحبارُ)
نحن يا دولةَ اليهود اسْتَكَنَّا = مُذْ أتانا الموظفُ المختارُ
أَعَليْنا يا ابنَ الحرامِ تُغَنِّي = بصمودٍ وتشهَدُ الأخبارُ
أنكَ البائعُ الموقِّعُ بالعَقدِ = وشعبي هو المُباعَ الحمِارُ
أعلينا يا ابنَ الحرامِ تُغَني = بنضال وأزمةٌ تُستَعارُ
سقطتْ كلُ المسرحياتِ في الليل = وماتت في وَهْجِها الأشعارُ
حافظَ الذئبِ هل على الليل سِدرٌ = أم بقايا من زعترٍ أم دمارُ
خائنَ العهد هل لبيروتَ عهدٌ = ذُبِحَ الرأيُ عندها والقَرارُ
ضُغِطَ الفِكرُ فاستطال حذاءً = أنثوياً بأي رِجلٍ يُدارُ
حوصِرَ الشعبُ بين قَتْلٍ وحَرْقٍ = هكذا هكذا ولا إنذارُ
أيها الباطِنيُّ قَلْباً وروحاً = يعلمُ الناسُ مَنْ هو الغَدَّارُ
كم شعارٍ أردتَ عكسَ معانِيه = فماتَتْ وعاش فينا الشعارُ
كم على الصبحِ كنتَ تكتبُ سِفْراً = وعلى الليلِ تُنقَضُ الأسفارُ
وحدويٌ وطائفيٌ لعمري = حُبسَتْ عند كِذْبِكَ الأمطارُ
يشهدُ الوارثون منْ عبدِ شمسٍ = وبقايا أميَّةٍ ونِزارُ
أنكَ القُرْمُطِيُّ أصلاً وفصلاً = أإلى خائنٍ تُناطُ الديارُ
دَجَلٌ فاسقٌ وعُهرٌ صُراحٌ = وعلى العَهرِ قُبَّةٌ ومَزارُ
أيها الأعور الملطخ بالدم = رويداً ستنطُقُ الأحجارُ
حلب , تدمر , زوايا حماة = ورواقٌ مُهَدَّمٌ وجدارُ
وكنيس , ومسجد , وقلاع = هُدِمَتْ فوق أهلِها الآثارُ
استكانت لك البلاد بصمت = وعلى الرعبِ يسكِنُّ الحوارُ
أيها الذئب كم بريء ينادي = وعلى روحك العذابُ يُضارُ
طرزتني الشام بالحب لكن = ذلك الحُبُّ ذِلةٌ وانكسارُ
سلطة تقطع اللسان وقيدٌ = ثم طوقٌ مكَمِمٌ وحِصارُ
نصف شعبي مهجر في منافيه = ونصفٌ يدوسَه البِصْطارُ
عجز الغاصبون عن قهر شعبي = من قديم وأفلح (الجزارُ)
إن فعل الكلام في الشام موت = واجتراءُ الغنِاء فيه انتحارُ
وترى ابن قحبة يتخطى = كلَ صفٍ ويُمنَعُ الأَطهارُ
وكن لعبة , وعلبة ليل = للبغايا , (وديسكوتيك) , وبارُ
واقتسام بين العساكر في الليل = ونَصْبٌ وقائدٌ سِمسارُ
أتقن المهنة المهينة حتى = خُلِطَ الأمرُ فاستحالَ الخيارُ
سامرٌ يُخرِجَ الطيورَ من الكُمِّ = ويلقى فتُسحَرُ الأَبصارُ
أيها الهرجُ الكبيرُ انتَهَيْنا = سَقَطَ السيركُ واختفى النُظارُ
أي حريةٍ وأي هُراءٍ = إنْ كَتَبْنا تُقلعُ الأَظفارُ
(وطبيبُ العيون) تُسْحَلُ عيناهُ = وتكون عند الخطيبِ الشِّفارُ
لو حَلَمنْا يراقَبَ الحلمُ فينا = كهربياً وتُصْعَقُ الأَفكارُ
سُخِّرَ العلم للتقدمِ لكنْ = ضد شعبي يُسَخَّرُ (السونارُ)
قبل أن يحبلَ الأَديبُ برأيٍ = يذبحوه فحِمْلُهُ أوزارُ
يُكَشُف الحملُ عندهم بجهازٍ = ليسَ صوتٌ فيه ولا أزرارُ
يُضبَطُ الشاعرُ الأَديبُ بوضعٍ = شاعريٍ فيَصعبُ الإنكارُ
وطني يا خلاصةَ المجد والعز = برغم الجفا لكَ الإكبارُ
بردى في العروقِ ينبُضُ حراً = عربياً فتخفُق الأَوتارُ
وَجَعي أنني أموتُ غريباً = ودمشقٌ على فؤادي السِّوارُ
إنني أرفُضُ اللواطَ على الحُكْمِ = وأمضي ما بِكَفِّيَ عارُ
أُعلنُ اليومَ يا بلادي بأني = شامِتٌ شامِتٌ وذاك اعتبارُ
رحلَ الخائنُ الكبيرُ فقولوا = للمراحيضِ روحُهُ والقَرارُ
قد يعيشُ الطغاةُ قمعاً وقهراً = إنما فوق كلِ قاهرٍ قهارُ
منقول